عباقرة غيروا العالم .. لم يكملوا تعليمهم الجامعي

"ذاكر يا بني .. ذاكر يا بني حتى تتنفع نفسك

ذاكر يا بني حتى تحصل على وظيفة جيدة

ذاكر يا بني حتى تحصل على مكانة جيدة في المجتمع"

كثيراً ما نسمع هذه الكلمات من آبائنا وأمهاتنا، يحثوننا فيها على استذكار
دروسنا، وإكمال دراستنا الجامعية، ظناً منهم – حفظهم الله – أن هذا هو سبيل
النجاة، والوصول إلى بر الأمان في الحياة المادية والاجتماعية.

بالطبع نحن جميعاً مؤمنون بأن دافع النصيحة طيب، ونيته لا غبار عليها، فمن
يحرص على مستقبل الأبناء مثل الآباء، ومن يتألم لألم الأبناء مثل الآباء،
ومن يشقى – بدون ذنب – لنا مثل آبائنا وأمهاتنا .. رحم الله من مات منهم،
وحفظ الله من يحيا بيننا، وأعاننا على برهم.


ولكن هل تعلم أن هذا الأمر – الإصرار على التعليم الجامعي – ليس صائباً بشكل كبير؟
فما سأسرده لك الآن، هو عبارة عن مجموعة من الأسماء التي غيرت وجه العالم للأبد، ومازالت آثار هذه الناس باقية فيما بيننا حتى الآن، ولم يكملوا تعليمهم الجامعي، بل إن هناك بعضهم لم يصل حتى إلى التعليم الجامعي ..


تعال أعرفك على بعضهم، وسأحاول لاحقاً الحديث عن كل منهم في موضوع منفصل.


توماس إديسون





(توماس ألفا إديسون) هو أعظم مخترع عرفته البشرية على الإطلاق ..

هذا الرجل أدخل إلى البشرية 1093 براءة اختراع تحمل اسمه، وهو الذي أرسى
مباديء العمل الجماعي في البحث العلمي، وهو أول من أنشأ مركزاً للأبحاث
الصناعية، وهو أول من وضع أسس توزيع الطاقة الكهربائية في المنازل
والمصانع، وهو أول من أنشأ محطة لتوليد الطاقة الكهربائية في شارع بيرل في
مانهاتن .. وهو أول من فكر في اختراع الهاتف، وهو أول من اخترع هاتف يمكن
إجراء مكالمات دولية عن طريقه – وليس ذلك الهاتف المحدود الذي اخترعه
(جراهام بل) – وهو أول من قام باختراع آلة لتسجيل الصوت في العالم.

كل ما ذكرته لك كان هو الأول فيه، بأفكار إبداعية سابقة لعصره ..

هل تعلم أن (توماس إديسون) عندما كان طفلاً تم طرده من المدرسة لأنه كان متوسط الذكاء؟
كان (توماس إديسون) في مدرسته كثير السؤال، كثير الاستفسار عن كيفية عمل
الأشياء، وكان هذا سبباً لسقم المعلم منه، واستدعاء والدته – وهي كل شيء في
حياة إديسون الصغير – وإخبارها بأن ولدها (توماس) أحمق كبير ولا يُرجى له
تعليم، وربما يكون من الأفضل أن يتم إدراجه في أحد الأعمال اليدوية.
وحدثت مشادة كبيرة بين الأم والمدرس، كان على أثرها تم طرد (إديسون) من
المدرسة، وهتفت أمه في غضب وإصرار: أنا أرفض أن يتلقى ابني العلم منكم ..
سأعلمه بنفسي .. إبني سيكون أعظم منكم جميعاً.
ولكم كانت صادقة، ولكم كانت رائعة حينما آمنت بقدرات ابنها الذي برهن الجميع على غباءه وضعف مستوى تحصيله الدراسي.

ولكنها أصرت على موقفها وعزمها على تعليم ابنها، وكانت مدرسة متقاعدة تفرغت لرعاية بيتها وولدها (توم) كما كانت تدعوه.

وهكذا تم طرد (توم) الصغير من المدرسة، ولم يكمل تعليمه أبداً، واكتفى بما
لقنته إياه أمه من علوم ابتدائية مختلفة، وكانت توقظه كل صباح للمدرسة
الصغيرة التي أعدتها له في البيت قائلة: هاللو توم.

ومرت سنوات الكفاح والمعاناة، واستقبل (توماس) الشاب نبأ وفاة والدته بصدمة بالغة أثرت على مشاعره كثيراً.
وتمضي الأيام ويطور (توماس) اختراع الهاتف الذي كان قد بدأه قبل (جراهام
بل) وحينما أتم تطويره، وأصبح جاهزاً للاستخدام العام، أصر على أن تكون
تحية الهاتف العالمية – والتي مازالت مستخدمة حتى الآن – تلك التحية التي
كانت توقظه بها أمه كل صباح: هاللو.



ستيف جوبز





الابن بالتبني لأبوين من الفقراء، واللبناني الأصل .. الذي غير وجه
تكنولوجيا الحاسبات والاتصالات حتى الآن وللأبد .. إنه العبقري (ستيف
جوبز).

إذا أردت أن تعرف من هو (ستيف جوبز) فأنت في حاجة إلى أن تنظر إلى الماوس التي تحت يدك الآن، فهو من اخترعها ..
ومادمت تقرأ هذه الكلمات، فأنت حتماً تمتلك حاسباً شخصياً .. حسناً ..
(ستيف جوبز) واحد من الذين أسهموا في فكر أن يكون لكل إنسان جهاز كمبيوتر
خاص به في المنزل، لأغراض شخصية كما تلك الموجودة في العمل ..


أو إذا كنت تقرأ هذه الكلمات المكتوبة بخط إلكتروني جميل، وليس خطاً جافاً
كذلك الذي كان موجود قبل إنشاء محرري النصوص، فلك أن تعلم أن الفضل في ذلك
يعود إليه ..

أما إذا كنت تمتلك جهازاً لوحياً – سواء أكان آيباد iPad أو غيره – أو
هاتفاً ذكياً من الذي تعمل شاشته باللمس – سواء أكان آيفون iPhone أو غيره –
فيجب أن تعلم أنه هو أول من أطلق هذه المبادرة في الهواتف الذكية،
والأجهزة المحمولة ..
(ستيف جوبز) الذي قضى نحبه بمرض السرطان، وعمره بضع وخمسون عاماً، ونعاه الرئيس الأمريكي (أوباما) بنفسه .. لم يكمل تعليمه الجامعي.
كان والداه بالتبني فقراء للغاية، ورغم ذلك تحاملوا على أنفسهم وأرسلاه
للتعلم في الجامعة، ولم يمض العام الأول إلا وأحس (ستيف) بعبث ما يفعل، فهو
لم يكن يحب دراسته على الإطلاق، هذا غير الضغط المادي الذي يسببه لوالديه،
فقرر التخلي عن إكمال تعليمه، وتوفير نفقات والديه إلى الأبد.

وكان هذا القرار من الروعة حيث أنه سمح له بالتفرغ لتعلم ما يحب، وهو علم
الخط، والذي كان سبباً في إنشاء برامج تحرير النصوص التي أنتجتها شركة
(آبل) في برنامجها ماكنتوش، ونسخت ميكروسوفت هذه التكنولوجيا منها، لينتشر
هذا العلم في العالم أجمع، بفضل (ستيف جوبز).

(جوبز) أخبر عن نفسه أنه حينما وصل إلى سن الـ 24 كانت ثروته 100 مليون
دولار، وفي العام التالي أصبحت 200 مليون دولار، وفي العام الثالث أصبحت
300 مليون دولار .. ولكن كل هذا لم يهمه في قليل أو كثير، فقد كان همه
الأكبر هو تقديم قيمة حقيقية للناس تغير حياتهم إلى الأفضل .. وقد كان.




مارك زوكربيرج



على الرغم من شهرة موقع التواصل الاجتماعي الأول على الإنترنت فيسبوك، فإنه
يوجد الكثيرين الذين لا يعلمون أن مؤسس هذا الموقع هو (مارك زوكربيرج) ..
وأنه شاب صغير لم يبلغ الثلاثين بعد.

بدأت الفكرة بفكرة اجتماعية بسيطة في جامعة هارفارد – حيث لم يكمل (مايكل)
تعليمه – وهي إنشاء موقع يتواصل يتم إدراج الطلبة الجدد فيه، ليساعد هذا
الطلبة على تعرف بعضهم البعض من ناحية، ومن ناحية أخرى أن يبحث الأصدقاء
القدامى عن بعضهم البعض في هذا الموقع.

كان اسم الموقع حينما تم إطلاقه The Face Book أي كتاب الوجه على النطاق www.thefacebook.com وبعد أن كَبُر الموقع واشتهر تم شراء الدومين www.facebook.com من صاحبه بأكبر مبلغ عُرف لاسم نطاق وقتها، حيث تم شراؤه بمبلغ 240,000 دولار.

الثورة والطفرة التي أضافها (زوكربيرج) في عالم الشبكات الاجتماعية مازالت
باقية حتى الآن، وأثرها يتزايد يوماً بعد يوم، وربما كان من أبلغ الآثار
لها الثورة المصرية التي سُميت على الإنترنت بـ (ثورة الفيسبوك).
الطريف في الأمر أن (زوكربيرج) لم يكمل تعليمه .. كبرت شركته، وكبرت
أحلامه، وكبرت مسئولياته، بشكل أصبحت معه الدراسة عبء سخيف، هو ليس في حاجة
فعليه إليه مع ما صار إليه، كواحد من أعلى 10 مليارديرات تم بناء ثروتهم
بسبب الإنترنت.

(زوكربيرج) يهودي الأصل، ولكنه ملحد الديانة الآن، ويسعى لإزاحة العمالقة
من فوق عروشهم الآن، فهو يطلق العديد من الخدمات والأدوات والتطبيقات التي
تتزايد يوماً بعد يوم، لتجعل من مستخدمي الفيس بوك أكثر راحة ورفاهية
وارتباطاً بالفيس بوك أكثر من غيره.


هل هناك آخرون؟

بالطبع هناك آخرون .. ولكن لم يتسع المجال لذكرهم الآن، وإلا تحول المقال
إلى كتاب صغير، ولكن سأحاول بقدر الإمكان إدراج المزيد في المستقبل، أو
التحدث بمزيد من التفاصيل عمن ذكرتهم هنا اليوم.