أمّهاتنا أمّهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين – 8 / ( جويرية )

الحمد لله ربّ العالمين
اللهمّ
صلّ على سيدّنا محّمد وعلى آله وأزواجه وذريّته وأصحابه وإخوانه من
الأنبياء والمرسلين والصّدّيقين والشهداء والصالحين وعلى أهل الجنّة وبارك
عليه وعليهم وسلّم كما تحبه وترضاه يا الله آمين.

قال تعالى :
{ النَّبِيُّ
أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ
وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى
أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً
}الأحزاب
6
أحبتي في الله تعالى
أدعوكم إلى التعرض لهذه النفحات الطيبة من سيرة أمّهاتنا أمّهات المؤمنين
رضي الله تعالى عنهم أجمعين وآلاتي قد جاء في حقهنّ في كتاب الله العظيم
أنّهنّ المفضّلات على ما سواهنّ من النساء سوى ما جاء الخبر فيهنّ عن
سيدّنا رسول الله صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم في الحديث الشريف :

( أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محّمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين ) رواه أحمد ، وبيّن أنهما خيرا نساء الأرض في عصرهما في قوله : ( خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد ) متفق عليه .
فقال تعالى { يَا
نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ
فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ
وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً
}الأحزاب
32

جاء في التفسير الميّسر
يا نساء النبيِّ – محّمد- صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم
لستنَّ في الفضل والمنزلة كغيركنَّ من النساء, إن عملتن بطاعة الله وابتعدتن عن معاصيه،
فلا تتحدثن مع الأجانب بصوت لَيِّن يُطمع الذي في قلبه فجور ومرض في
الشهوة الحرام، وهذا أدب واجب على كل امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر, وقُلن
قولا بعيدًا عن الريبة, لا تنكره الشريعة.

وهنّ المطّهّرات من الأرجاس لقوله تعالى
: { وَقَرْنَ
فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى
وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
}الأحزاب33

جاء في تفسير الجلالين :
(وقرن)
بكسر القاف وفتحها (في بيوتكن) من القرار وأصله أقررن بكسر الراء وفتحها
من قررت بفتح الراء وكسرها نقلت حركة الراء إلى القاف وحذفت مع همزة الوصل
(ولا تبرجن) بترك إحدى التاءين من أصله (تبرج الجاهلية الأولى) أي ما قبل
الإسلام من إظهار النساء محاسنهن للرجال والإظهار بعد الإسلام مذكور في آية
ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها (وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله
ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) الإثم يا (أهل البيت) نساء النبي
صلى الله عليه وسلم (ويطهركم) منه (تطهيرا)
.

هنّ اللواتي أحلهنّ الله تعالى لخليله ومصطفاه قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ
اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء
اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ
خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً
مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ
أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ
عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً
رَّحِيماً
}الأحزاب
50


بل فرضهنّ الله تعالى عليه صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم وقيده بهنّ فقال تعالى { لَا
يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ
أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً
}الأحزاب
52


بل حرم الله تعالى الزواج منهنّ وجعله من الذنوب العظيمة وأرشدنا الله تعالى لحسن الأدب معهنّ قال تعالى :
{
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا
أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ
إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا
مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ
فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا
سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ
أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا
رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً
إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً
}الأحزاب53


والآن لنعطر أرواحنا بذكر سيرة الطيبات أمهاتنا وأمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهنّ أجمعين.

8) جويرية بنت الحارث المصطلقية رضي الله عنها

هي أم المؤمنين جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن جذيمة الخزاعية المصطلقية ، كانت تحت ابن عم لها يقال له مسافع بن صفوان المصطلقي ، وقد قُتل في يوم المريسيع ، ثم غزا النبيّ صلى الله عليه وسلم قومها بني المصطلق فكانت من جملة السبي ، ووقعت في سهم ثابت بن قيس رضي الله عنه . وزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم
منها وقع في السنة الخامسة للهجرة ، وكان عمرها إذ ذاك عشرين سنة ، ومن
ثمار هذا الزواج المبارك فكاك المسلمين لأسراهم من قومها . ففي الحديث عن
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : ( لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق ، وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له ، وكاتبته على نفسها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها ، فقالت : يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، وقد أصابني ما لم يخف عليك ، فوقعتُ في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو
لابن عم له ، فكاتبته على نفسي ، فجئتك أستعينك على كتابتي ، فقال لها :
فهل لك في خير من ذلك ؟ قالت: وما هو يا رسول الله ؟ قال :
أقضي كتابتك وأتزوجك ، قالت : نعم يا رسول الله ، قال: قد فعلت ، وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث ، فقال الناس : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسلوا ما بأيديهم - أي أعتقوا- من السبي ، فأعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق ، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها ) رواه الإمام أحمد في مسنده . وروى ابن سعد في الطبقات أنه لما وقعت جويرية بنت الحارث في السبي ، جاء أبوها إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : إن ابنتي لا يُسبى مثلها ؛ فأنا أكرم من ذاك ، فخل سبيلها ، فقال : ( أرأيت إن خيّرناها ، أليس قد أحسنّا ؟) ، قال : بلى ، وأدّيت ما عليك . ، فأتاها أبوها فقال : إن هذا الرجل قد خيّرك فلا تفضحينا ، فقالت : فإني قد اخترت رسول اللهصلى الله عليه وسلم . وغيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها ، فعن ابن عباس قال : ( كان اسم جويرية بنت الحارث برة، فحوّل النبيّ صلى الله عليه وسلم اسمها ، فسماها جويرية ) رواه الإمام أحمد في مسنده . وكانت رضي الله عنها ذات صبرٍ وعبادة ، كثيرة الذكر لله عزوجل ، ولعلّنا نستطيع أن نلمس ذلك من خلال الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنه ( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرّ على جويرية بنت الحارث وهي في مسجد ، ثم مر النبيّ صلى الله عليه وسلم بها قريباً من نصف النهار ، فقال لها : ما زلتِ على حالكِ ، فقالت: نعم ، قال ألا أعلمكِ كلماتٍ تقولينها : سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله رضا نفسه ، سبحان الله رضا نفسه ، سبحان الله رضا نفسه ، سبحان الله زنة عرشه ، سبحان الله زنة عرشه ، سبحان الله زنة عرشه ، سبحان الله مداد كلماته ، سبحان الله مداد كلماته ، سبحان الله مداد كلماته ) رواه الترمذي ، وصحّحه الألباني . ولم تذكر لنا كتب الحديث إلا القليل من مرويّاتها ، ومن جملة ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها قالت : ( دخل عليّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم جمعة وأنا صائمة فقال لي : أصمت أمس ؟ ، قلت : لا ، قال : تريدين أن تصومي غدا ؟ ، قلت : لا ، قال فأفطري ) .

فائدة
السيدة جويرة بنت الحارث رضي الله تعالى عنها وأرضاها أبوها سيد بني المصّطلق دفعه غروره أن يعلن الحرب على الإسلام ولكن سرعان ما خاب أمله وانهزم جيشه وفر رجاله وأسر نساؤه ووقعت السيدة جويرية أسيرة عند زيد بن قيس . وأصاب بنت العز من الذل ما أصابها فذهبت إلى بيت النبيّ صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم تستجدي عطفه وتسترحم قلب النبيّ الكريم يا رسول الله ، أنا بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما تعلم وأنا أستعين بك لتخلصني من ألأسر فان مثلي لا تصلح أمة تعامل معاملة العبيد ، وهنا رأى النبيّ صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم أن يعبر عن إنسانيته الكريمة مع بنت زعيم أعدائه فأعتقها ثمّ رفع عنها ذل الوحدة فعرض عليها وسام الشّرف ألأعظم بأن تصبح من زوجاته أمّهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهنّ أجمعيين أيّ شرف هذا وأيّ فضل لقد سارعت إلى التلبية فكان لهذا الزواج أثر مبارك على كل بني المصّطلق الذين وقعوا في ألأسر حيث رأى المسلمون أن الأسرى الذين في أيديهم قد أصبحوا أصهار النبيّ صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم لذلك سارعوا إلى إعتاقهم وأدرك الأسرى عظمة الإسلام وخلق نبيه فسارعوا إلى اعتناقه اقتناعا به واعترافا بالجميل الست معي أيّها القارئ الكريم أن هذا الزواج قد كشف عن عظمة النبيّ صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم وحسن قيادته .

توفيت أم المؤمنين جُويرية في المدينة سنة خمسين، وقيل سنة سبع وخمسين للهجرة وعمرها 65 سنة . فرضي الله عنها ، وعن أمهات المؤمنين أجمعين.

فرحمة الله تعالى وبركاته عليكم أهل البيت وحشرنا الله تعالى بحبنا لكم معكم (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ).

والحمد لله وحده ،
اللهمّ صلّ على سيدّنا محّمد وعلى آله وأزواجه وذريّته وأصحابه وإخوانه من
الأنبياء والمرسلين والصّدّيقين والشهداء والصالحين وعلى أهل الجنّة وبارك
عليه وعليهم وسلّم كما تحبه وترضاه يا الله آمين .


تمّ نقله / والتصرف فيه لغرض إتمام الفائدة / من إحدى المواقع الإسلامية رجاءا